21 أبريل 2010

خزانة عمي إدوارد

لم يكن أحد يستطيع الاقتراب من خزانة عمي " إدوارد " !

في الحقيقة أن أحداً ما لم يمنعنا من ذلك و لم يأمرنا بأن نظل بعيداً عن هذه الخزانة .. بل إن ما سمعناه عن عمي " إدوارد " و ما قصه علينا الكبار من حكايات مروعة عنه كانت كافية وحدها لإقناعنا بأن نظل بعيداً عن أي شيء يخص عمي " إدوارد " !

قيل أنه كان يعبد الشيطان .. و قيل أنه كان ساحرا إبليسياً لا نظير له في الكون .. بينما اتفقت آراء الأغلبية في أسرتنا على أنه كان مجنوناً وهب روحه للشيطان مقابل العمر المديد .. و هل سمع أحد عن إنسان يعيش مائه و ثلاث و ثلاثين عاماً في زمننا هذا ؟!

و ليس هذا فقط بل لقد قضى عمي " إدوارد " السنوات الخمسين الأخيرة من عمره في منزله النائي مغلقاً بابه على نفسه دون أن يسمح لأحد بزيارته !

لابد أنه كان متحالفاً مع الشيطان إذن !

في الواقع هو ليس عمي بل عم أبي و شقيق جدي .. لكننا كنا ندعوه عمي جرياً على العرف في العائلة .. و لذلك كنا نسمي خزانته اللعينة ( خزانة عمي إدوارد ) الذي ليس بعمي !

.........................

في الخامسة من عمري تركنا بيتنا الجميل في ( لفربول ) و انتقلنا للإقامة في بيت ( عمي إدوارد ) النائي .. ليس حباً فيه بالطبع و لكن لان ظروفاً مادية قاهرة اضطرت أبواي للتفريط في بيتنا الحبيب لسداد ديون باهظة تورط فيها والدي نتيجة مضارباته المتعددة في البورصة .. لم يكن يعنيني أننا فقدنا بيتنا الذي أحبه ، و لا كنت أعرف ما معنى بورصة أو مضاربات .. كل ما كنت أعرفه هو أننا سنضطر للإقامة في بيت عمي الراحل " إدوارد " !

بعد أن فقد والدي عمله بدأت أمي على الفور في حزم حقائبنا .. سألها أبي عن المكان الذي يمكننا الإقامة فيه فقالت له دون تردد :
- " بيت عمك " إدوارد " .. ليس هناك من أحد يعرف أنه ما زال ملكاً للعائلة .. لنحتله و نرفع علمنا فوقه قبل أن ينازعنا إخوتك عليه ! "

كان كل أفراد العائلة يعتقدون أن عمي " إدوارد " قد باع بيته قبل وفاته و قبض ثمنه كاملاً و أبتاع به كتباً في السحر و تحضير الأرواح .. الكل كانوا يعتقدون هذا دون أن يحاولوا التحقق من ظنونهم .. وحدها أمي التي كانت تعرف أن هذا ليس صحيح .. و أن البيت ما زال مملوكاً لنا بصفتنا أقرب الورثة لعمي الراحل و أن عمي في الحقيقة لم يبع بيته إطلاقاً !

أما لماذا أمي وحدها التي عرفت هذه الحقيقة فذلك ما ظل يحيرني طويلاً !

....................

وصلنا إلى البيت في الخامس عشر من مايو ؛ و هو يوم عيد ميلادي .. لم أتوقع أي هدية في هذا اليوم نظراً للظروف الصعبة التي كنا نمر بها .. و لكن عندما دلفنا داخل البيت وجدنا في الصالة الرئيسية الكبيرة منضدة بيضاء مصقولة عليها هدية ضخمة !

هدية لم أرى مثلها في حياتي .. غمرتني الفرحة بينما ارتفعت صرخات أختي الصغيرة محتجة على هذا التمييز ؛ إذ أنها لم تحصل على شيء بالمرة في عيد ميلادها الأخير الذي مضى عليه أسبوع واحد .. والداي من جانبهما تبادلا النظرات في رعب حاولا إخفاءه عنا و مدت والدتي يدها تمنعني من الاقتراب من الهدية .. بينما قرأت في عيني أبي أقوى علامات رعب رأيتها على وجهه في حياتي .. كان موقفهما هذا كافياً لأتفهم المسألة على حقيقتها .. لم يحضر أي من والداي هذه الهدية فمن الذي أحضرها ؟!

.......................

بعد خمسة أشهر كنا قد تعودنا تماماً على بيتنا الجديد .. أقصد بيت عمي " إدوارد " بالطبع .. صحيح أن البيت كان كئيباً خانقاً لكنه كان واسع فسيح الأرجاء .. و هكذا وجدنا بإمكاننا إعداد ثلاث غرف نوم و غرفتي استقبال و ثلاث غرف للعمل و المعيشة و تبقى لدينا أربع غرف خالية لا نعرف ماذا نصنع بها !

أثني عشر غرفة فسيحة كان يمرح فيها " إدوارد " هذا بمفرده دون أن يسمح لأحد بأن يشاركه في الإقامة في هذا البيت .. يا له من أناني محظوظ !

أقمنا في البيت خمسة أعوام دون أن يحدث أي شيء غريب .. كل شيء عادي و ليس في الإمكان خير مما كان .. حتى الأشباح و المخلوقات العجيبة التي قيل أنها كانت تعاشر عمي " إدوارد " و تسكن معه في البيت بدا أنها قد لاذت بالفرار من البيت بعد وفاة راعيها و صديقها المرحوم !

فقط عندما بلغت الثانية عشرة من عمري و في يوم عيد ميلادي بدأ عمي " إدوارد " يفصح عن حقيقة نياته نحونا !

...........................

في صباح يوم عيد ميلادي وصلت لوالدي رسالة هامة من السيد ( يوجين بنثر " ؛ شريك أبي في مضاربات البورصة و مراهنات الجياد ؛ يبلغه بخبر لم يتوقعه أحد .. مكسب قدره مائتين و خمسين ألف دولار صارت من نصيب أبي من أحدى عملياته السابقة في بورصة ( لندن ) و التي كان قد نسيها تماماً !

تهللنا جميعاً للخبر الغريب الذي يعني خروجنا رسمياً من دائرة الفقر و إمكان عودتنا لبيتنا الجميل السابق ؛ أو حتى لبيت أجمل منه .. لنترك بيت عمي " إدوارد " اللعين هذا !

و بسرعة البرق غادر أبي البيت ترافقه أمي في طريقهما إلى مكتب السيد " يوجين " في وسط المدينة .. تاركين أختي الصغيرة " كارلا " في رعايتي أنا .. و لم تنس أمي قبل خروجها أن تحذرنا من الاقتراب من خزانة عمي " إدوارد " و إلا نالنا عقاب فظيع !

و لكن بمجرد خروج أبي و أمي اندفعنا أنا و " كارلا " نفكر في طريقه لفتح الخزانة !

…………………

لم يكن للخزانة مفتاح .. فمنذ قدومنا إلى المنزل و أمي تحاول العثور وسط المفاتيح القديمة الملقاة هنا و هناك على مفتاح هذه الخزانة اللعينة بغية فتحها و إخراج ما بها من متعلقات ليسهل تحريكها و إخراجها إلى خارج المنزل و إضرام النار فيها و في ما قد يكون داخلها من متعلقات عمي " إدوارد " .. و على حد علمنا لم تنجح أمي في العثور على مثل هذا المفتاح .. و لذلك بقيت الخزانة المغلقة في مكانها و لا أحد ؛ مهما بلغ من قوة ؛ قادر على تحريكها من مكانها .. و كأنها تحوي برج بابل بداخلها !

و لكن " كارلا " الداهية التي لا تكف عن مسح غرف المنزل و ممراته و قبوه قطعة قطعة بكشافها الصغير أخبرتني أن هناك مجموعة من المفاتيح الصدأة معلقة في حلقة غريبة الشكل و مخفاة بمهارة خلف رفوف الكتب القديمة الموجودة في القبو بطريقة لا تدع أي إنسان يتوصل إليها .. و لكن " كارلا " رأتها في أحدى جولاتها التفقدية السرية التي لا تنتهي و لم تشأ أن تخبر أمي .. فأبقت الأمر سراً .. و لعل من بينها مفتاح الخزانة اللعينة !

هرولت أنا بسرعة و في أعقابي " كارلا " الصغيرة إلى القبو .. و بعد ربع ساعة عثرنا على حلقة المفاتيح التي انتقلت من مكانها الذي تعرفه " كارلا " و اختبأت في مكان آخر يبعد عشرة أمتار عن المكان الأول .. و لكننا حصلنا عليها بفضل مهارة " كارلا و ذكائها و أيضاً حدة بصرها التي كانت مثار إعجاب العائلة كلها !

و انطلقنا عائدين إلى غرفة الخزانة في الطابق الأعلى و مضينا نجرب المفاتيح مفتاحاً مفتاحاً .. حتى سمعنا في النهاية التكة الرهيبة التي كنا ننتظرها .. تكة المفتاح الصحيح و هو يدور في قفل الخزانة الداخلي و يفتحه .. لتبدأ خزانة عمي " إدوارد " تفصح عن أسرارها !

…………………..

وصل " إدموند " و " ناتالي بيشوب " إلى مقر مكتب مستر " يوجين بنثر " القائم في قلب مدينة ( جيمستاون ) .. و وجدا المكتب مغلق و معلق على بابه الخارجي لوحة ورقية تقول بصفاقة ( مغلق لمدة ستة أشهر لأجراء التحسينات .. لا داعي للدخول ) !

نظر الزوجين إلى اللوحة طويلاً .. ثم مضيا ينظران لبعضهما في عدم فهم و ذهول !

.......................

لم يكن بالخزانة أي شيء !

بداية مخيبة للآمال .. أليس كذلك ؟!

و لكن مهلاً .. هناك شيء غريب ملقي في ركن مظلم من أركان الخزانة الواسعة الحالكة التي لم ينجح مصباح " كارلا " الصغير في تبديد كل ما داخلها من ظلام !

و لكن ما هو هذا الشيء بالضبط ؟!

إنه خرقة بالية ملفوفة في شكل كروي لتحوي شيئاً متوسط الحجم .. مددت يدي ملهوفاً و تناولت الخرقة بحذر .. صرخت " كارلا " :

- " احذر يا  (كيفن)  " .. و قد كانت على حق في تحذيرها ، فما أن مددت يدي لأتناول الخرقة حتى فوجئت بثعبان صغير يتلوى صاعداً فوق ذراعي !

جمدني الرعب مكاني فلم أجرؤ علي التحرك .. بينما أستمر هذا المخلوق الكريه يتلوى فوق كمي في طريقه إلى رقبتي .. فجأة سمعت صوت غريب يقول لي آمراً :

- " أنفض ذراعك بسرعة .. أنفضه ! "

و بالفعل نفضت ذراعي بشدة فسقط الثعبان على الأرض و دسته بقدمي .. صرخت  كارلا  اشمئزازا و أدارت وجهها بعيداً عن منظر الثعبان الذي تفتت تحت حذائي و صار مجرد بقعة رطبة على الأرض !

استعدت أنفاسي ببطء و كان أول ما فعلته أن شكرت  كارلا  على نصيحتها المفيدة التي أنقذتني من شر هذا الثعبان المخيف .. نظرت  كارلا  لي في تعجب و قالت بحزم جعلني أتأكد أنها ليست واحدة أخرى من كذباتها المتعددة :

- " نصيحة ؟! أي نصيحة ؟ أنا لم أتفوه بشيء ! "

نظرت لها في تعجب لحظات .. ثم لم أعلق و تحولت إلى الخرقة التي أمسكها بيدي و فتحتها ببطء لأجد بداخلها دمية صغيرة قبيحة الشكل جداً .. و لكن لم تكن الدمية وحدها بل كان معلقاً في رقبتها سلسلة ذهبية عجيبة الشكل في نهايتها وريقة صغيرة مطوية نصفين و مثقوبة و معلقة في السلسلة .. فتحنا الورقة ببطء ؛ أنا و " كارلا " ؛ لنجد بداخلها سطرين مكتوبين بقلم حبر سائل و بخط مائل شديد الجمال .. و كان السطرين يقولان :

" إلى حفيدي " كيفن بيشوب " الذي سيفتح هذه الخزانة .. أحييك على شجاعتك .. هذا الذي في يدك هو ( أبراهام)  رفيق عمري .. أحتفظ به و أحسن معاملته و إلا كان عقابك أفظع مما تتخيل .. ملحوظة : تحياتي إلى حفيدتي الصغيرة الماهرة (كارلا )  !!"

و في هذه اللحظة سمعنا صوت خطوات أبواي على السلم فهرولنا إلى غرفنا .. و لكننا أرتكبنا خطأً بالغاً .. لقد تركنا باب الخزانة مفتوحاً !!

.......................

بعد مرور أسبوع كانت والداتي ما تزال غاضبة من  كارلا  .. هذه الفتاة الشجاعة أدعت أنها هي التي قامت بفتح الخزانة بمفردها لتجنبني العقاب !

و بالفعل فقد عاقبتها أمي بشدة .. و حرمتها من الخروج و اللعب في الحديقة لمدة أسبوع ، و كذلك من الذهاب إلي نادي المدينة و من حلوى ( الدونتس ) اللذيذة !

و أخذت أمي الخزانة الفارغة ؛ بعد أن جعلت " كارلا " تقسم خمسين مرة علي أنها كانت فارغة عندما فتحتها ؛ و أخرجتها خارجاً إلي مؤخرة المنزل و أضرمت فيها النيران .. و لم تسترح إلا بعد أن ألتوت ألواح الخزانة و بدأت في الانصهار .. و لكن هذه الفعلة كانت أكبر خطأ ارتكبته أمي في حياتها !

........................

أما أنا فقد احتفظت بالدمية القبيحة في مكان خفي في غرفتي لا يمكن أن تصل إليه أمي .. و مضت فترة طويلة لم أكن فيها أهتم بأمرها .. و من يهتم بدمية قبيحة ظلت ملقاة ستون عاماً في خزانة مغلقة في بيت مهجور !

لم أهتم بها بالطبع .. و لم أتذكر أي شيء عن أمرها إلا عندما بدأت أمي تمرض بشكل غريب !

بعد حادث الخزانة بيومين بدأت أمي تشكو من تنميل غريب في يديها .. كان تنميلاً قوياً مفاجئاً كالوخزات يفاجئها فيجعلها ترمي أي شيء في يدها على الأرض و تصبح غير قادرة علي الإحساس بأي شيء في يديها !

لم يكن الأمر بالغاً حد الخطورة .. في الحقيقة كانت أمي تعاني طوال عمرها من أعراض غريبة ليس لها معنى يمكن أن تسميها مرضاً و يمكنك أن تسميها في سرك ؛ و ضميرك مستريح ؛ دلال نساء !

و مرت فترة كانت حالة أمي فيها تتراوح بين العافية و نوبات التنميل المخيفة التي زادت بشكل ملحوظ حتى لم تعد أمي قادرة بالفعل على الاحتفاظ بشيء ما في يدها لأكثر من ثانيتين .. بالطبع استشارت أمي طبيبها عدة مرات .. و أجرت تحاليل دم و خلافه و لكن كل ما جاد عليها به الطب البشري لم ينفعها بشيء .. و بعد خمسة أشهر من حادث الخزانة استيقظت أمي ذات صباح تصرخ عاجزة تماماً عن تحريك يديها .. و كان تشخيص الطبيب كارثة ( شلل كامل مجهول السبب في الذراعين ! )

.......................

بوجه شاحب كانت أمي تستلقي على مقعدها الكبير بالقرب من المدفأة و تردد دون ملل :

- " هذا هو عقابي .. هذه لعنة عمي " إدوارد " أصابتني بالشلل ! "

و إزاء عجز أمي الكامل عن القيام بشؤون المنزل الآن و الذي لابد من الاعتراف به وجد والدي نفسه مضطراً لتحمل تكلفة إحضار خادم يعني بالبيت و بنا أنا و أختي .. نشرنا إعلاناً صغيراً في جريدة محلية شرحنا فيه ظروف عائلتنا و المبلغ الذي بوسعنا تحمله مضافاً إليهما عنوان بيتنا و رقم هاتف المنزل .. و بعد ثلاثة أيام دق بابنا ؛ دون سابق معرفة أو مكالمة مسبقة ؛ رجل في الأربعين حسن الهندام أعلن أنه مستعد للعمل لدينا و القبول بالمرتب الصغير الذي حددناه .. و كان اسمه ( إدوارد ) !!

........................

بعد أيام قليلة كان " إدوارد " قد صار حجر الزاوية في منزلنا و المتحكم الأساسي في حياتنا .. فهو الذي يوقظنا صباحاً و يعد لنا الإفطار و يساعد أمي في الإنتقال إلى مقعدها الدائم جوار المدفأة و يعد الطعام و ينظف المنزل و يأتي ليأخذنا من المدرسة و يغسل سيارة أبي و يغسل ملابسنا و يقوم بكيها ، بل و حتى واجباتنا المدرسية كان يساعدنا فيها و يحملنا في النهاية إلى أسرتنا و يتمنى لنا ليلة طيبة .. و كل ذلك في مقابل ثلاثمائة دولار في الشهر .. و هو أقل من مصروف صديقي " هنري راكاتن " الأسبوعي .. فما الذي يحمله على القبول بهذا المجهود الضخم و الأجر الضئيل ؟!

.....................

كنت مستلقياً في حجرتي على فراشي و " أبراهام " يقبع عند قدمي عندما دخل " إدوارد " غرفتي دون إنذار !

فجأة وجدته واقفاً فوق رأسي ففزعت .. و أخذني الغضب عندما تنبهت إلى أنه دخل الغرفة دون استئذان و كدت أسبه لولا أن حدث شيء حول أفكاري كلها إلى اتجاه آخر .. مد " إدوارد " يده و امسك ب" أبراهام " ؛ الدمية القبيحة التي كانت في خزانة عمي إدوارد  و تطلع إليها لحظات قليلة .. ثم قال ببطء و يصوت عميق ذو صدى لا علاقة له بصوت الخادم " إدوارد " الذي أعرفه منذ ثلاثة أشهر :

- " دمية جميلة .. و لكن  أبراهام  لا يلقى العناية الكافية لذلك فهو يجب أن يعود لموطنه !! "

و بغتة نظر لي ( إدوارد)  نظرة جمدت الدم في عروقي .. و في اللحظة التالية كان قد تبخر من الغرفة .. خرج كما دخل مخلفاً لي رعب لن أنساه ما حييت .. و لكن شيء واحد فقط أستفدته من هذه المفاجأة المرعبة .. لقد تعودت على أن أتعامل باحترام كاف مع خادمنا الجديد .. لأنني ؛ الآن فقط ؛ عرفت مع من أتكلم !

..........................

كان  إدوارد  قد تعود على القيام بجلسات تدليك لذراعي أمي المشلولتين .. و لم تكن هذه الجلسات مما أوصى به الطبيب فقط كانت أمي تداوم عليها لأنها ؛ كما تقول ؛ تخلف لها راحة عميقة و إحساس بالاسترخاء .. بل كانت أمي أحياناً تزعم أن تدليك  إدوارد  المستمر كان يجعلها تشعر بقليل من الإحساس في ذراعيها و كأنها ستستعيد القدرة على تحريكهما !

لم يكن أبي يثق في  إدوارد هذا .. كان يراه دجالاً مشعوذاً يزعم لنفسه قدرات خاصة .. و في الحقيقة أن أبي كان يخشى أحياناً أن يكون  إدوارد  هذا يستغل فرصة إنفراده بأمي طوال النهار و عجزها عن تحريك يديها و يتجاوز حدوده معها .. لم يكن أبي بالطبع يصرح بهذا الاتهام الخطير فقط كنت تلمح شكوكه في نظراته الغريبة التي يرمق بها " إدوارد " كلما أقترب من أمي ليقدم لها خدمة ما و في أسلوبه العدائي الفظ في معاملة  إدوارد  .. و جاء يوم لم يستطع أبي كتمان شكوكه أكثر من ذلك فأنفجر في وجه أمي بكلمات قاسية حادة كنصل السكين ، لم يصرح طبعاً بأنه يتهمها بشيء ، و لكن أمي فهمت ما يرمي إليه من كلماته .. فغضبت بشكل لم يحدث لها من قبل في حياتها .. و طلبت من والدي أن يترك البيت فوراً .. و بالفعل لم تكد تمر عشر دقائق حتى كان أبي حاملاً حقيبة ملابسه و ألقاها بغل في السيارة ثم أنطلق بالسيارة كالصاروخ مخلفاً دموعاً في عيني أنا و  كارلا  و نظرة غريبة لمعت في عيني  إداورد  .. و هكذا لم يتبقى أمام " إدوارد " لينفذ خطته الخالدة سوى  كارلا  .. فقد حان الدور للتخلص من  كارلا !

.......................

كارلا  هربت من المنزل ؟!!

هكذا ببساطة !

خرجت ذات يوم إلى المدرسة و تأخرت عن موعدها .. و عندما ذهب  إدوارد  لإحضارها قيل له في المدرسة أن أباها جاء منذ ساعة و أخذها .. صُعقت أمي عندما سمعت الخبر .. طلبت مني أن أطلب لها أبي في عمله فأتاني صوته الغاضب يصرخ في وجهها أنه أخذ أبنته و ستبقى معه و أنها هي التي طلبت منه أن يأخذها لتعيش معه .. كنت أمسك السماعة و أضعها على أذني أمي التي تلون وجهها بلون أحمر قاتم من شدة الغضب و صرخت بحقد و جنون :

- " فلتبقى معك إذا شاءت .. و لتذهب إلى الجحيم معك إذا أحبت ! "

كانت السماعة ترتعش في يدي و كادت تسقط .. و لكن أمي فجأة فردت ذراعها و أمسكت بالسماعة و شدت أصابعها عليها بقوة !

......................

و هكذا رحل أبي و ذهبت " كارلا " و تركانا ؛ أنا و أمي ؛ بمفردنا في البيت اللعين .. لنبقى وحدنا تحت رحمة  إدوارد  .. عمي  إدوارد  !

ظل أبراهام  بحوزتي طوال الوقت .. لم يعترض  إدوارد  على احتفاظي به و تركني أحتفظ به .. لم أكن حتى الآن أفهم أهمية  أبراهام  بالنسبة له و لماذا تركني أحتفظ به إذا كان له كل هذه الأهمية عنده .. عموماً مرت الأيام تباعاً على حال أفضل .. تحسنت حال أمي و استردت عافيتها كلها و أصبحت مرحة طلقة كأنها مهرة جامحة .. و أرتفع مستواي الدراسي و صرت الطالب الأول في الفصل و على مستوى المدرسة كلها .. و لم نكن بحاجة إلى أي شيء إضافي .. فقد كانت أمي تستيقظ كل صباح لتجد الثلاجة مملوءة بكل أنواع الأطعمة التي تتخيلها و التي قد لا تتخيلها أيضاً .. و بالنسبة لمصروفات البيت فقد كان يكفي أن تطلب أي مبلغ لتجده موضوعاً أمامها و زيادة عليه .. لم نكن نسأل عن أي شيء .. لا أنا و لا أمي .. كنا لا نريد أن نسأل .. كنا نخاف أن نسأل حارسنا " إدوارد " عن أي شيء .. كنا نخافه بقدر ما كنا نحبه .. أما أبي و أختي فلم يعودا يخطران لنا على بال !

..................

في عيد ميلادي الثالث عشر لاحظت شيئاً غريباً .. أبراهام  قد كبر مثلي .. زاد طوله و نما بمقدار عشر بوصات .. ذعرت و أسرعت إلى " إدوارد " لأخبره بهذا الأمر الخارق و حملت معي الدمية القبيحة لأريها له إثباتاً لكلامي و لكن الذي أخافني أكثر هو البرود و اللامبالاة التي تلقى بها هذه الأعجوبة .. أبتسم بغموض و قال لي بصوت غامض :

- " هذا شيء طبيعي .. أنسيت أنه بلغ الثالثة عشرة مثلك .. لابد أن يكبر ! "

ذعرت من هذا الرجل الذي ؛ إلى الآن ؛ لا أعرف حقاً من هو أو ( ما هو ) .. فقط ذهبت إلى أمي خائفاً مرتعشاً و أخبرتها أنني بدأت أخشي هذا الرجل المقيت .. و لكن أمي غضبت من قولي و وضعت إصبعها على فاها محذرة و قالت لي بصوت هامس :

- " هش ! أحذر أن يسمعك العم " إدوارد " .. إنه رجل طيب و يرعانا جيداً .. فلا تغضبه ! "

كنت جالساً في حضن أمي و أنا أحكي لها عن مخاوفي .. و كنا جالسين معاً على طرف فراشها أمام المرآة .. و فجأة حانت مني إلتفاتة مباغتة إلى المرآة فرأيت نفسي جالساً في حضن مخلوق .. ليس أمي بالتأكيد .. بل مجرد مسخ مشوه !

.................

انطلقت أصرخ و انتزعت نفسي من بين ذراعي هذا الشيء المرعب .. و هرولت أجري كالشيطان و من خلفي سمعت صوت هذا المسخ يقول لـ  إدوارد  بصوت يشبه صوت أمي :

- " أحضره .. ألحق به يا  إدوارد  .. ألحق به قبل أن يهرب ! "

و عندما ألتفتت مذعوراً خلفي رأيت  إدوارد  يعدو ورائي و كأنه بطل العالم في العدو .. و كاد يلحق بي بالفعل لولا أنني راوغته حول أشجار الحديقة الكثيفة .. و نجحت في الإفلات منه و انطلقت نحو الشارع .. الشارع .. الشارع الآن صار جنتي الموعودة التي أموت للوصول إليها !

...........................

وصلت إلى الشارع الصغير متقطع الأنفاس كدت أموت من التعب و من اللهاث .. صعدت سلم بيت أبي بسرعة البرق و أنا أصرخ كالمجنون :

- " أبي ..  كارلا .. النجدة .. لقد خطف أمي "

و وصلت إلى الباب و أخذت أدقه و جنوني يتزايد و أركله حتى كدت أحطمه .. لم يأتني أي رد و لكن في النهاية أنفتح الباب تحت وقع ضرباتي القوية المتلاحقة .. و لكن ما رأيته في الداخل كان أسوأ شيء رأيته في حياتي !

........................

بعد خمسة أشهر أبلغ سكان شارع ( كنزلين ) أن رائحة تعفن فظيعة تنطلق من داخل المنزل رقم 15 الذي لم يظهر مالكه السيد " إدموند بيشوب " و أبنته كارلا التي كانت تقيم معه منذ خمسة أشهر !

أقتحم البوليس البيت فوجدوا ثلاث جثث متعفنة .. الأولى لصبي في نحو الثالثة أو الرابعة عشرة ملقاة في الصالة الرئيسية للبيت .. و الثانية لرجل في نحو الخامسة و الأربعين موجودة في غرفة النوم الرئيسية .. أما الجثة الثالثة فكانت لفتاة في نحو التاسعة موجودة في الحمام غارقة في البانيو و محاطة بخيوط غريبة الشكل و إبر دقيقة لا يعرف أحد فيما تستخدم .. و قد ثبت من التحقيق أن الثلاث جثث ترجع للسيد ( إدموند بيشوب)  و طفليه ( كيفن بيشوب) و ( كارلا بيشوب ) .. و لا توجد أي علامات أو دلائل لحدوث جريمة في المنزل و هذا يعني أن وفاة الثلاثة تمت بشكل طبيعي !

و بعد أسبوع صدرت الصحف المحلية مليئة بالتفاصيل عن هذا الحادث بالغ الغرابة .. و قد اهتم الصحفيون باستطلاع رأي السيدة  ناتالي بيشوب زوجة السيد  إدموند  و أم الطفلين  كيفن  و  كارلا" في هذه القضية الغريبة .. و قد أبدت الأم التي تعيش بمفردها في بيت منعزل خارج المدينة أسفها و حزنها البالغين لوفاة أسرتها على هذا النحو المفاجيء الرهيب .. و أخذت الأم تبكي بحرارة و تعبر عن سخطها البالغ على زوجها الذي تسبب بإهماله ؛ كما قالت ؛ في كل ما حدث .. و لم يكن هناك من يقف بجوار الأم في محنتها سوى صديق و خادم عجوز أسمه  إدوارد  .. و قد حرص على أن يكون دائماً واقفاً إلى جوار الأم ليساعدها في تجفيف دموعها و يربت على كتفها مواسياً .. و كان أكثر ما لفت نظر الصحفيين الذين قاموا بزيارة السيدة " بيشوب " في منزلها لإجراء الحوارات معها وجود دمية عملاقة بجوار المدفأة .. لفتت انتباه الزوار جميعاً و حرصوا على التقاط صور خاصة كثيرة لهذه الدمية غريبة الشكل .. و من كل الزوايا الممكنة !

(مستوحاة عن قصة واقعية )

تأليف : منال عبد الحميد

المراجعة والإخراج الفني : كمال غزال

إقرأ أيضاً ...
- دمى أطفال "مسكونة"
- لعنة دمية الفودو
- قصص الخيال:  بيت الأحزان
- فيلم Fragile
- صور : ألبوم سحر وشعوذة

هناك 5 تعليقات:

  1. mafhemtech!! tawwa la7keyayeeesserr 7lowwa w tayyaraa mé jé po comprii la fin !! kifech metou w 3lech metou !! wel omm w edwared chnyya 3ala9ethom beb3adhom!! w é se ke heka howwa oncle edwared elli normalement met !!.........baaaaaaaaaaaaaaaaarchaa as2laaa !! é c pr ca ke jéme té conte manel !! suupeerr !!

    ردحذف
  2. القصة حلوة بس كيف مستوحاه عن قصة واقعية؟ اكيد ما بصدق

    ردحذف
  3. قصة مرعبة بالفعل

    ردحذف
  4. واو...فعلا قصة مرعبة...اعجبتني

    والاروع انها مستوحاة عن قصة واقعية

    احييكي استاذة منال

    (مدمنة ماوراء الطبيعة)

    ردحذف
  5. قصه مررررره حلوه

    وموقع والله أحلى

    تقدم في تقدم

    ان شاء الله...

    وشكرا

    ردحذف